فصل: الفصل الثاني في التعيين وكيفية كتابة صاحب ديوان الإنشاء على الرقاع

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: صبح الأعشى في كتابة الإنشا **


  الباب الثاني من المقالة الثالثة في مقادير قطع الورق

وما يناسب كل مقدار منها من الأقلام ومقادير البياض في أول الدرج وحاشيته وبعد ما بين السطور في الكتابات وفيه فصلان

  الفصل الأول في مقادير قطع الورق

وفيه طرفان الطرف الأول في مقادير قطع الورق في الزمن القديم قد ذكر محمد بن عمر المدائني في كتاب القلم والدواة أن الخلفاء لم تزل تستعمل القراطيس امتيـازاً لهـا علـى غيرهـا مـن عهـد معاويـة بـن أبـي سفيـان‏.‏

وذاك أنه يكتب للخلفاء في قرطاس من ثلثي طومار وإلى الأمراء مـن نصـف طومـار وإلـى العمـال والكتـاب مـن ثلـثٍ وإلـى التجـار وأشباههم من ربع وإلى الحساب والمساح من سدس‏.‏

فهذه مقادير لقطع الورق في القديم وهي الثلثان والنصف والثلث والربع والسدس ومنها استخرجت المقادير الآتـي ذكرهـا‏.‏

ثـم المراد بالطومار الورقة الكاملة وهي المعبر عنها في زماننـا بالفرخـة والظاهـر أنـه أراد القطـع البغدادي لأنه الذي يحتمل هـذه المقاديـر بخلـاف الشامـي لا سيمـا وبغـداد إذ ذاك دار الخلافـة فـلا يحسـن أن يقـدر بغيـر ورقهـا مـع اشتمالـه على كمال المحاسن‏.‏

وقد تقدم في الكلام على آلات الكتابة في المقالة الأولى بيان الخلاف في أول من صنع الورق الطرف الثاني في بيان مقادير قطع الورق المستعمل في زماننا مقادير قطع الورق في هذا الزمان وفيه ثلاث جملٍ الجملة الأولى في مقادير الورق المستعمل بديوان الإنشاء بالأبواب السلطانية بالديار المصرية وهي تسعة مقادير‏.‏

المقدار الأول قطع البغدادي الكامل وعرض درجه عرض البغدادي بكماله وهو ذراعٌ واحد بذراع القماش المصري وطول كل وصل من الـدرج المذكـور ذراعٌ ونصـفٌ بالـذراع المذكـور‏.‏

وفيه كان تكتب عهود الخلفاء وبيعاتهم‏.‏

وفيه تكتب الآن عهود أكابر الملوك والمكاتبات إلى الطبقة العليا من الملوك كأكابر القانات من ملوك الشرق‏.‏

المقـدار الثانـي قطـع البغـدادي الناقـص وعـرض درجـه دون عـرض البغدادي الكامل بأربعة أصابع مطبوقةً‏.‏

وفيه يكتب للطبقة الثانية من الملوك وربما كتـب فيـه للطبقـة العليـا لإعـواز البغدادي الكامل‏.‏

المقدار الثالث قطع الثلثين من الـورق المصـري والمـراد بـه ثلثـا الطومـار مـن كامـل المنصـوري وعرض درجة ثلثا ذراع بذراع القماش المصري أيضاً‏.‏

وفيه تكتب مناشير الأمراء المقدمين وتقاليـد النـواب الكبـار والـوزراء وأكابـر القضـاة ومـن فـي معناهـم‏.‏

ولـم تجـر العـادة بكتابـة مكاتبةٍ عن الأبواب السلطانية فيه‏.‏

المقدار الرابع قطع النصف والمراد بـه قطـع النصـف مـن الطومـار المنصـوري وعـرض درجـه نصف ذراع بالذراع المذكور‏.‏

وفيه تكتب مناشير الأمراء الطبلخاناه ومراسيم الطبقة الثانية من النواب والمكاتبات إلى الطبقة الثانية من الملوك‏.‏

المقـدار الخامـس قطـع الثلـث‏.‏

والمـراد بـه ثلـث القطـع المنصـوري وعرض درجة ثلث ذراع بالذراع المذكور‏.‏

وفيه تكتب مناشير أمراء العشرات ومراسيم صغار النواب والمكاتبات إلى الطبقة الرابعة من الملوك‏.‏

المقدار السادس القطع المعروف بالمنصوري وعرضه تقدير ربع ذراع بالذراع المذكـور‏.‏

وفيـه تكتب مناشير المماليك السلطانية ومقدمي الحلقة ومناشيـر عشـرات التركمـان ببعـض الممالـك الشامية وبعض التواقيع وما في معنى ذلك‏.‏

المقدار السابع القطع الصغير ويقال فيه قطع العادة وعرض درجه تقدير سدس ذراع بالذراع المذكـور‏.‏

وفيـه تكتـب عامـة المكاتبـات لأهل المملكة وحكامها وبعض التواقيع والمراسيم الصغار والمكاتبات إلى حكام البلاد بالممالك وما يجري هذا المجرى‏.‏

وقد كـان هـذا القطـع والذي قبله في أول الدولة التركية طول كل وصل منه شبران وأربعة أصابع مطبوقةً فما حول ذلك‏.‏

المقـدار الثامـن قطـع الشامي الكامل وعرض درجه عرض الطومار الشامي في طوله‏.‏

وهو قليل الاستعمال بالديوان إلا أنه ربما كتب فيه بعض المكاتبات كما كتب فيه عن الأشرف شعبان بن حسين لوالدته حين سافرت إلى الحجاز الشريف‏.‏

المقدار التاسع القطع الصغير وهو في عرض ثلاثة أصابع مطبوقة من الورق المعروف بورق الطيـر وهـو صنـف مـن الـورق الشامـي رقيـقٌ للغايـة وفيـه تكتـب ملطفات الكتب وبطائق الحمام‏.‏

الجملة الثانية مقادير الورق بدواوين الانشاء بالممالك الشامية في مقادير الورق المستعملة بدواوين الإنشاء بالممالك الشامية دمشق وحلب وطرابلس وحماة وصفد والكرك في المكاتبات والولايات الصادرة عن النواب بالممالك وهي لا تخرج عن أربعة مقادير المقدار الأول قطع الشامي الكامل وهو الذي يكون عرضه عرض الطومار الشامي الكامل في طوله على ما تقدم فيه‏.‏

وفيه يكتب عن النواب لأعلى الطبقات من أرباب التواقيع والمراسيم ليس إلا‏.‏

المقدار الثاني وعرض درجه عرض نصف الطومار الحموي وطوله بطول الطومار وفيه يكتب للطبقة الثانية من أرباب التواقيع والمراسيم الصادرة عن النواب‏.‏

المقدار الثالث قطع العادة من الشامي وعرض درجه سدس ذراع بذراع القماش المصري في طول الطومار أو دونه‏.‏

وفيه يكتـب للطبقة الثالثة من أرباب التواقيع والمراسيم الصادرة عن النواب وعامة المكاتبات الصادرة عن النواب إلى السلطان فمن دونه من أهل المملكة وغيرهم إلا أن نائب الشام ونائب الكرك قد جرت عادتهما بصدور المكاتبات عنهما في الورق الأحمر دون غيرهما من النواب‏.‏

المقدار الرابع قطع ورق الطير المقدم ذكره في آخر المقادير المستعملة بالأبواب السلطانية بالديار المصرية‏.‏

وفيه تكتب الملطفات والبطائق على ما تقدم‏.‏

قلت‏:‏ هذه مقادير قطع الورق بالديار المصرية والبلاد الشامية‏.‏

أما غير مملكة الديار المصرية من الممالك فالحال فيها يختلف في مقادير الورق المستعمل بدواوينها‏.‏

فأما بلاد المشرق فعلى نحو المقادير المتقدمة‏.‏

وأما بلاد المغرب والسودان وبلاد الفرنج فعادة كتابتهم في طومارٍ واحد يزيد طوله على عرضه قليلاً ما بين صغير وكبير بحسب ما يقتضيه حال المكتوب‏.‏

الجملة الثالثة في مقادير قطع الورق الذي تجري فيه مكاتبات أعيان الدولة من الأمراء والوزراء وغيرهم بالديار المصرية والبلاد الشامية وهو قطع العادة من البلدي بالديار المصرية ومن الشامي بالبلاد الشامية‏.‏

  الفصل الثاني من الباب الثاني من المقالة الثالثة في بيان ما يناسب كل مقدار من مقادير قطع الورق المتقدمة

الذكر من الأقلام ومقادير البياض الواقع في أعلى الدرج وحاشيته وبعد ما بين السطور في الكتابة وفيه طرفان الطرف الأول فيما يناسب كل مقدار منها من قطع الورق من الأقلام قد ذكر المقر الشهابي بن فضل الله في كتابه التعريف في آخر القسم الثاني ما يناسب كل مقـدار مـن مقادير الورق المستعملة بديوان الإنشاء بالديار المصرية من أقلام الخط المنسوب فقال‏:‏ إن لقطـع البغدادي قلم مختصر الطومار ولقطع الثلثين قلم الثلث الثقيل ولقطع النصف قلم الثلث الخفيف ولقطع الثلث قلم التوقيعات ولقطع العادة قلم الرقاع‏.‏

ومن ذلك يعلم ما يناسب كل قطـع مـن مقاديـر القطع المستعملة بدواوين الإنشاء بالممالك الشامية‏.‏

فيناسب الشامي الكامل قلم التوقيعـات لأنه في مقدار قطع الثلث البلدي أو قريبٌ منه‏.‏

ويناسب نصف الحموي والعادة من الشامي قلم الرقاع لأنهما في معنى القطع المنصوري والعادة بالديار المصرية‏.‏

أما قلم الجناح لكتابة بطائق الحمام به‏.‏

وأما ما كان يكتب به الخلفاء أسماءهم في الزمن القديم وبه يكتب الملوك أسماءهم الآن فقلم الطومار وهو القلم الجليل الذي لا قلم فوقه‏.‏

وقد تقدم الكلام على هذه الأقلام في بيان ما يحتاج إليه الكاتب في أواخر المقالة الأولى‏.‏

الطرف الثاني في مقادير البياض الواقع في أول الدرج وحاشيته وبعد ما بين السطور في الكتابة أما مقدار البياض قبل البسملة فيختلف في السلطانيات باختلاف قطع الورق فكلما عظم قطع الورق كان البيـاض فيـه أكثـر فقطـع البغـدادي يتـرك فيـه ستـة أوصـالٍ بياضـاً وتكتـب البسملة في أول السابع وقطع الثلثين يترك فيه خمسة أوصال وقطع النصف يترك فيه أربعة أوصـال وقطـع الثلث يترك فيه ثلاثة أوصال وقطع المنصوري والعادة تارةً يترك فيه ثلاثة أوصال وتارةً يترك فيه وصلان بحسب ما يقتضيه الحال‏.‏

وقطع الشامي الكامل في معنى قطع الثلث وقطع نصف الحموي والعادة من الشامي في معنى القطع المنصوري والعادة في البلدي‏.‏

وربما اجتهد الكاتب في زيادة بعض الأوصال ونقصانها بحسب ما تقتضيه الحال‏.‏

وفي المكاتبات الصـادرة عـن سائـر أربـاب الدولـة مصـراً وشامـاً يترك في جميعها قبل البسملة وصلٌ واحدٌ فقط‏.‏

وفي كتابه الأدنى إلى الأعلى يترك بعض وصل‏.‏

وأما حاشية الكتاب فبحسب اجتهاد الكاتب فيه في السعة والضيق‏.‏

وقـد رأيـت بعـض الكتـاب المعتبريـن يقـدر حاشية الكتاب بالربع من عرض الدرج وهو اعتبارٌ حسنٌ لا يكاد يخرج عن القانون‏.‏

وأمـا بعـد مـا بيـن السطـور فيختلـف باختلـاف حـال المكتـوب واختلـاف قطـع الورق ففي السلطانيـات كلها على اختلاف قطع الورق فيها تكتب البسملة في أول الفصل بعد ما يترك من أوصـال البيـاض فـي أعلـى الـدرج بحسـب مـا تقتضيـه الحال ثم يكتب تحت البسملة سطرٌ ملاصقٌ لهـا بحسـب مـا يقتضيـه وضـع القلـم المكتوب به في القرب والبعد بحسب الدقة والغلظ ثم يكتب السطـر الثانـي فـي آخـر الوصل الذي كتبت البسملة في أوله بحيث يبقى من الوصل ثلاثة أصابع مطبوقةً أو نحوها في القطع الكبير وقدر إصبعين في القطع الصغير وما بينهما بحسبه‏.‏

وقد قدر صاحب مواد البيان البياض الباقي بين السطور الأول والثاني أيضاً‏.‏

وهـذا إنمـا يقارب فـي القطـع الكبيـر‏.‏

وقـد ذكـر ابـن شيـث فـي معالـم الكتابـة وكـان فـي آخـر الدولـة الأيوبيـة فيمـا أظن أن مقدار ما بين كل سطرين يكون ثلاثة أصابع أو أربعة أصابع‏.‏

والذي جرت به عادة الكتاب في زماننا أنه يكون في قطع العادة والمنصوري في كل وصل من أوصال الزمان ثلاثة أسطـر وفيمـا عـداه سطـران‏.‏

وربمـا وقـع التفـاوت في القطع الصغير بحسب الحال حتى يكون في التواقيـع التـي علـى ظهـور القصـص ونحوها بين كل سطرين بعد بيت العلامة قدر إصبعين وربما تواصلت الأسطر كما في الملطفات ونحوها‏.‏

أما ما يكتب عن النواب من الولايات والمكاتبات من سائر أعيان الدولة فدون السلطانيات في مقدار خلو موضع العلامة وهو ما بين قدر خمس أصابع مطبوقةً ونحوها وقدر بعد السطور فيما بعد بيت العلامة من قدر إصبعين إلى ما دونهما‏.‏

  الباب الثالث من المقالة الثالثة في بيان المستندات وكتابة الملخصات وكيفية التعيين

وفيه فصلان

  الفصل الأول في بيان المستندات

وهي التوقيع على القصص وما يجري مجراه وما يحتاج فيه إلى كتابة المستندات وهو على ضربين الضرب الأول السلطانيات وهي صنفان الصنف الأول ما يصدر عن متولي ديوان الإنشاء كولايات النواب والقضاة وغيرهما من أرباب الوظائف والتواقيع التي تكتب في المسامحات والإطلاقات ومكاتبات البريد الخاصة بالأشغال السلطانية وأوراق الطريق وما يجري مجرى ذلك وجميعها معدوقةٌ بنظر صاحب ديوان الإنشاء‏.‏

فما كان منها جليـل الخطـر كولايـات النـواب والقضـاة وأكابر أرباب الوظائف والمكاتبات المتعلقة بمهمات السلطنة فلا بد من مخاطبة صاحب ديـوان الإنشـاء فيهـا واعتماد ما يبرز به أمره‏.‏

وما كان منها حقيراً بالنسبة إلى مخاطبة السلطان فيه استقل فيه بما يقتضيه رأيه‏.‏

ثـم مـن ذلـك مـا يكتب به صاحب الديوان رقاعاً لطيفةً بخطه ويعينها على الكاتب الذي يكتب وتدفع إليه لتخلد عنده شاهداً له كالولايات والمسامحات والإطلاقات والمكاتبات المتعلقة بأمور المملكة ونحو ذلك‏.‏

ومن ذلك ما يبرز به أمر صاحب الديوان مشافهةً فيكتبه من غير شاهد عنده وذلك في الأمور التي لا درك فيها على الكاتب كتقاليد النواب وبعض المكاتبات إذ لا تهمة تلحق كاتب الإنشاء في مثل ولاية نائبٍ كبيرٍ أو قاضٍ حفيل لأن مثل ذلك لا يخفى على السلطان فأشبه خطاب صاحب الديوان فيها الكاتب خطاب السلطان صاحب الديوان حيث لا شاهد عليه إلا الله تعالى بخلاف الأمور التي يلحق كاتبها الدرك فإنه لا بد في كتابتها من تخليد شاهدٍ‏.‏

وكان الواجب أن لا يكتب حقيرٌ ولا جليلٌ إلا بشاهدٍ من صاحب الديوان فإن الأمور تتراكم وتكثر والإنسان معرضٌ للنسيان وربما عرض إنكارٌ بسبب ما يكتبه الكاتـب ونسيه صاحب الديوان فيكون الكاتب قد عرض نفسه لأمرٍ عظيمٍ‏.‏

ولا يقاس الكاتب على صاحب الديوان في عدم أخذه شاهداً بخط السلطان فإن صاحب الديوان هـو المتصـرف حقيقةً والسلطان وكل جميع أمور المملكة إليه فلا يتهم في شيء منها بخلاف الكاتب‏.‏

وقد ذكر أبو الفضل الصوري في تذكرته أن المكتوب من الديوان إن كان مكاتبةً فالواجب أن يكون عنوانها بخط متولي الديوان وإن كان منشوراً فالواجب أن يكون التاريخ بخطه ليدل على أنـه وقـف على المكتوب وأمضى حكمه ورضيه ويكون ذلك قد قام مقام كتابة اسمه فيه‏.‏

ثم قـال‏:‏ وقـد كـان الرسـم بالعـراق وفيـه الكتاب الأفاضل أن يكتب الكتاب ما يكتبون ثم يقولون في آخـره‏:‏ وكتـب فلـان بـن فلـان باسـم متولـي ديـوان الرسائـب‏.‏

وما ذكره عن أهل العراق قد ذكر نحوه أبـو جعفـر النحـاس فـي صناعـة الكتـاب إلا أنـه قـد جعـل بـدل اسـم متولـس الديوان اسم الوزير فقال ويكتـب فـي آخـر الكتـاب وكتب فلان بن فلان باسم الوزير واسم أبيه‏.‏

وقد رأيت نسخاً عدةً من سجلات الخلفاء الفاطميين بالديار المصرية مستشهداً فيها اسم الوزير على النهج المذكور‏.‏

علـى أنـه كـان الواجـب أن يكون الاستشهاد في آخر كل كتابٍ باسم كاتبه الذي يكتبه ليعلم من كتبـه فإن الخطوط كثيرة التشابه لا سيما وقد كثر كتاب الإنشاء في زماننا وخرجوا عن الحد حتى أنه لم يعـرف بعضهـم بعضـاً فضـلاً عـن أن يعـرف خطـه‏.‏

وقـد كـان كتـاب النبـي صلـى اللـه عليـه وسلم إذا سجلوا عنه سجلاً أو نحوه كتب الكاتب في آخره وكتب فلان بن فلان‏.‏

وهذه الرقعـة التـي كتبهـا النبـي صلـى اللـه عليه وسلم لتميم الداري بإقطاع قرًى من قرى الشام موجودةٌ بأيـدي التميمييـن إلـى الـآن مستشهـداً فيهـا بخط أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه‏.‏

وإنما عدلوا عن اسم الكاتب نفسه إلى اسم متولي الديوان أو الوزير استصغاراً للكاتب أن يستشهـد للكاتب باسمه فيما يكتب به عن الخليفة‏.‏

قال أبو هلال العسكري في كتابه الأوائل‏:‏ وقد قالوا إن أول من كتب في آخر الكتاب وكتب فلان بن فلان أبي بن كعبٍ رضي الله عنه‏.‏

الصنف الثاني ما يصدر عن غير صاحب ديوان الإنشاء كالأمور التي يكتب بها من الدواوين السلطانية غير ديوان الإنشاء وتلتمس الكتب من ديوان الإنشـاء علـى مقتضاها كالمكاتبات الخاصة بتعلقات شيء من الدواوين المذكورة وبعض وينحصر ذلك في أربعة دواوين‏:‏ الديوان الأول ديوان الوزارة‏:‏ وهو أعظمها خطراً وأجلها قدراً‏.‏

وقـد جـرت العادة أنه إذا دعت الضرورة إلى كتابة كتابٍ من ديوان الإنشاء يتعلق بديوان الوزارة أن تكتـب بـه قائمـةٌ مـن ديـوان الـوزارة في ورقةٍ ديوانية بما مثاله‏:‏ رسم بالأمر الشريف شرفه الله تعالـى وعظمـه أن يكتـب مثـالٌ شريـف إلـى فلانٍ الفلاني بكذا وكذا‏.‏

وكيفية وضع هذه القائمة أن يكون السطر الأول في رأس الورقة من الوجه الأول منها وآخره شرفه الله تعالى وعظمه وبينه وبيـن السطـر الثاني قدر إصبعين معترضين بياضاً وباقي السطور مسترسلةٌ متقاربةٌ بقلم الرقاع ويكتب الوزير في البياض الذي بين السطر الأول والثاني بقلم الثلث ما مثاله‏:‏ يكتب‏.‏

ويوجه بالقائمـة إلـى ديوان الإنشاء صحبة مديرٍ من ديوان الوزارة أو غيره فيكتب على حاشيتها يكتب بذلك ويعينها على بعض كتاب الإنشاء فيكتب مثالاُ بما فيها ويخلد القائمة عنده شاهداً له وربما خلدت بديوان الإنشاء في جملة ما يخلد في الأضابير شاهداً لديوان الإنشاء والأول هو الأليق‏.‏

وإن كان الذي يكتب من ديوان الـوزارة توقيعـاً بإطلـاقٍ أو نحـوه ممـا أصلـه مـن ديـوان الـوزارة كتب الوزير على حاشية قصة صاحبه ما مثاله يكتب بذلك أو يوقع بذلك وتبعث إلى ديوان الإنشاء فيكتب عليها صاحب ديوان الإنشاء بالتعيين‏.‏

ثم أن كان التوقيع ملصقاً بقصةٍ فذاك وإلا خلد الكاتب القصة شاهداً عنده على ذلك وربما كتب بالإطلاقات من ديوان الـوزارة مربعات بخط مستوفي الصحبة‏.‏

الديوان الثاني ديوان الخاص‏:‏ وهو في كتابة الأمثلة الشريفة على ما مر من كتابة القائمة ليخرج المثال على نظيرها على ما تقدم في ديوان الوزارة فتكتب القائمة على الحكم المتقدم من غير فرق ويكتب ناظر الخاص عليهـا نظيـر كتابـة الوزيـر السابقـة ويوجـه إلى ديوان الإنشاء فيكتب عليها بالتعيين كما تقدم ويخلد الكاتب القائمة عنده شاهداً له أو تخلد بديوان الإنشاء على ما تقدم في ديوان الوزارة‏.‏

ولا يكتـب مـن ديوان الخاص تواقيع بإطلاقات ونحوها بل تكتب بها مراسيم مربعة في ورقٍ شامي بخط مباشري ديوان الخاص‏.‏

الديوان الثالث ديوان الإستدارية‏:‏ وحكمه في ذلك حكم ديوان الخاص من غير فرق ويكتب الإستدار عليها كم يكتب الوزير وناظر الخاص ويبعث بها إلى ديوان الإنشاء فيجري الحكم فيها على ما تقدم في الديوانين المذكورين‏.‏

والـذي يرد إلى ديوان الإنشاء منه ابتداءً هي المربعات التي تكتب بالإقطاعات لتخرج المناشير على نظيرها‏.‏

وصورتها أن يكتتب في نصف فرخةٍ مكسورة في قطع البلدي بعد البسملة الشريفة ما مثاله المرسـوم بالأمر العالي المولوي السلطاني الملكي الفلاني الفلاني أعلاه الله تعالى وشرفه وأنفذه وصرفه أو أعلاه الله تعالى وأسماه وشرفه وأمضاه أن يقطـع باسـم فلـانٍ الفلانـي أحـد الأمراء المقدمين أو الطبلخانات أو العشرات أو الخمسات بالمكان الفلاني أو أحد المماليك السلطانيـة أو مقدمـي الحلقة أو أجناد الحلقة بالمكان الفلاني المرسوم استقراره في أمراء العشرات أو الطلبخانات أو المقدمين أو نحو ذلك ما رسم له به الآن من الإقطاع‏.‏

فإن كـان أميراً قيل بعد ذلك‏:‏ لخاصته ولمن يستخدمه من الأجناد الجياد للخدمة الشريفة والبرك التام والعدة الكاملة بمقتضى المثال الشريف أو الخـط العالـي الكافلـي أو بمقتضـى الإشهـاد المشمـول بالخط الشريف أو الخط الكافلي على نظير ما تقدم أو بمتقضى المربعة المكتتبة من المملكـة الفلانيـة المشمولـة بالخـط الشريـف إن كـان أصله مربعةً من بعض الممالك وما أشبه ذلك‏.‏

فإن كان أميـراً ذكـرت عدتـه علـى مـا سيأتـي فـي الكلـام علـى المناشيـر فـي المقالـة الخامسة‏.‏

ثم يقال‏:‏ حسب الأمر الشريف ويكمل التاريخ والحمد لله والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ويبعث بها إلى ديوان الإنشاء فيكتب عليها صاحب الديوان بالتعيين على بعض كتاب الإنشاء فيكتبها ويخلد المربعة شاهداً عنده‏.‏

الضرب الثاني ما يتعلق بالكتب في المظالم والنظر فيه من وجهين الوجه الأول فيما يتعلق بالقصص وهـي ترفـع إلـى ولـاة الأمـور بحكايـة صورة الحال المتعلق بتلك الحاجة وسميت قصصاً على سبيل المجاز من حيث إن القصة اسم المحكي في الورقة لا لنفس الورقة‏.‏

وربما سميت في الزمن القديم رقاعاً لصغر حجمها أخذاً من الرقعة في الثوب‏.‏

ثم الذي يجب في هذه القصص الإيجاز والاختصار مع تبليغ الغرض المطلوب والقرب من فهم المخاطب فإنها متى كانت خارجةً عن الحد في الطول أدت إلى الإضجار والسآمة المنفرين للرؤساء‏.‏

وربما كان في ذلك جرمان الطالب ودفعه عن حاجته إما للإعراض عنها استثقالاً وإما لعدم فهم المقصود منها لطولها واختلاط بعض مقاصدها ببعض‏.‏

وأما كونها مبلغةً للغرض المطلوب وفهم المخاطب فلأنها إذا كانت بصدد الاختصار المجحـف والتعقيـد نبـا عنهـا فهـم الرئيس ومجها سمعه فإما أن يعرض عنها فيفوت على صاحبها المطلوب وإما أن يسأل غيره عن معناها فيكون سبباً لتنزله عن عز الرياسة إلى ذل السؤال وكلاهما غير مستحسن‏.‏

وقد جرت العـادة فـي مثـل ذلـك أن يخلـى مـن أول الورقـة قليـلاً ويجعـل لهـا هامـش بحسـب عرضها ويبتدأ فيها بالبسملة ثم يكتب تحت أول البسملة‏:‏ المملوك فلانٌ يقبـل الـأرض وينهـي كـذا وكـذا إلـى آخر إنهائه ثم يقال‏:‏ وسؤاله كذا وكذا فإن كان السؤال للسلطان قال‏:‏ وسؤاله من الصدقات الشريفة كذا وكذا وإن كان السؤال لغير السلطان قال‏:‏ وسؤاله من الصدقات العميمة كذا وكذا‏.‏

ثم إن كان المسؤول كتاباً فإن كان عن السلطان قال‏:‏ وسؤاله مثالٌ شريفٌ بكذا وكـذا وإن كـان عن غير السلطان قال‏:‏ مثالٌ كريمٌ بكذا وكذا ثم يقول إن شاء الله تعالى ويحمد اللـه تعالـى ويصلـي علـى النبـي صلـى اللـه عليـه وسلـم ويحسبـل‏.‏

وربمـا أبـدل لفـظ المملـوك بلفظ الفقير إلـى اللـه تعالى‏.‏

ويقال حينئذ بدل يقبل الأرض يبتهل إلى الله تعالى بالأدعية الصالحة أو يواصل بالأدعية الصالحة ونحو ذلك‏.‏

وقد جرت العادة في كتابه القصص أن صاحبها إن كان أميراً ونحوه كتب تحت البسملة الملكي الفلانـي بلقـب سلطانـه مخلياً بياضاً من جانبيها‏.‏

على أنه قد تصدى لكتابة القصص من لا يفرق بين حسنها وقبيحها ولا ينظر في دلالتهـا ولا يراعـي مدلولهـا وذلـك كنسـة الزمـان فـي أكثـر أحواله‏.‏

قلـت‏:‏ وقد جرت عادة أكثر الناس في القصص أنه إذا فرغ الكاتب من كتابة القصة يقطع قليلاً من زاويتها اليمنى من الجهة السفلى مستندين في ذلك إلى كراهة التربيع‏.‏

ومن غريب ما يحكى في ذلك أن بعض الوزراء قال يوماً بمجلس‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

وأنا وليت الـوزارة رابـع ربيـع الأول سنة أربع وأربعين وأربعمائة فقال له بعض جلسائه‏:‏ إن تفاءلت أنت به فقـد تطيرنـا نحـن بـه‏.‏

ولا شـك أن مستندهـم فـي ذلـك التشـاؤم بالتربيـع فـي القـران النجومي ولا يعول عليه‏.‏

وقد ورد أن حوض النبي صلى الله عليه وسلم في القيامة زواياه على التربيع ولولا أن التربيع أحسن الأشكال لما وضع عليه حوض النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

الوجه الثاني فيما يتعلق بالنظر في المظالم وما يكتب على القصص وما ينشأ عنها من المساءلات وغيرها وهو أمرٌ مهمٌّ به يقع إنصاف المظلوم مـن الظالـم وخلـاص المحـق مـن المبطـل ونصـرة الضعيـف علـى القـوي وإقامـة قوانيـن العـدل فـي المملكـة‏.‏

وقـد نبـه أبـو الفضـل الصـوري في تذكرته على جلالة هذا القدر وخطره ثم قال‏:‏ ومن المعلوم أن أكثر المتظلمين يصلون من أطراف المملكة ونواحيها وفيهم الحرم والمنقطعات والأيتام والصعاليك وكل من يفد منهم معتقدٌ أنه يصير إلى من ينصره ويكشف ظلامته ويعديه على خصمه‏.‏

فيجب أن يتلقى كل منهم بالترحاب واللطف ويندب لهم من يحفظ رقاعهم ويتنجز التوقيع فيها من غير التماس رشوة ولا فائدةٍ منهم وأن تكون التوقيعات لهم شافيةً في معانيها مستوعبةً لكشف ظلاماتهم مؤذنةً بإنجاح طلباتهم‏.‏

قال أبو هلال العسكري في كتابه الأوائل‏:‏ كان المهدي يجلس للمظالـم وتدخـل القصـص إليـه فارتشى بعض أصحابه بتقديم بعضها فاتخذ بيتاً له شباكٌ حديدٌ على الطريق تطرح فيـه القصص وكان يدخله وحده فيأخذ ما يقع بيده من القصص أولاً فأولاً فيه لئلا يقدم بعضها على بعض‏.‏

قال‏:‏ وقدم عليه رجل فتظلم فأنصفه فاستخفه الفرح حتى غشي عليه فلما أفاق قال‏:‏ ما حسبـت أنـي أعيـش حتـى أرى هـذا العـدل فلمـا رأيتـه داخلنـي من السرور ما زال معه عقلي فقال له المهدي‏:‏ كان الواجب أن ننصفك في بلدك وكان قد صرف في نفقة طريقه عشرين ديناراً فأمر له بخمسين ديناراً وتحلل منه‏.‏

قال أبو الفضل الصوري‏:‏ ومهما كان من الرقاع يحتاج إلى العرض على السلطان عرضه عليه وأحسن السفارة والتلطف فيه ووقع بما يؤمر به فقد تحدث في هذه الرقاع الأمور المهمة التي تنتفع بها الدولة وتستضر بتأخير النظر فيها ويفهم من طي هذه الرقاع من جور بعض الولاة والمستخدميـن مـا توجـب السياسـة صرفهـم عمـا ولـوه منهـا‏.‏

ومهما كان منها مما يشك السلطان في صحته ندب من يثق به للكشف مع رافعه فإن صح قوله أنصف من خصمه وإن بان تمحله قوبـل بمـا يـردع أمثاله عن الكذب والتمرد ويعلم الولاة والمشارفون وسائر المستخدمين أن السلطان متفرغٌ للنظر في قصص الناس وشكاويهم وقد نصب لذلك من يتفرغ له ويطالعه بالمهم منه فيكف أيديهم عن الظلم ويحذرون سوء عاقبة فعلهـم ويقـل المتظلمـون قـولاً واحـداً وتحسـن سمعة الدولة بذلك فيكون لها به الجمال الكبير‏.‏

قلت‏:‏ والذي يرفع من القصص في معنى ذلك في زماننا على ستة أنواع‏.‏

النوع الأول منها ما يرفع إلى السلطان في آحاد الأيام وقد جرت العادة فيه أن يقرأ على السلطان‏:‏ فما أمضاه منه كتب على ظهر القصة ما مثاله يكتب ثم تحمل إلى كاتب السر فيعينها على بعض كتاب الإنشاء فيكتب بمقتضاها ويخلدها النوع الثاني ما يرفع لصاحب ديوان الإنشاء وقد جرت العادة في ذلك أن رافع القصة والمحتاج إلى الأمثلة الشريفة السلطانية في مهماته ومتعلقاته إن كان من الأعيان والمعتبرين كأحدٍ من الأمراء أو المماليك السلطانية وأكابر أرباب الأقلام بعث بقصته لديوان الإنشـاء فيقـف عليهـا صاحـب ديـوان الإنشـاء ويتأملهـا وينظـر مـا تضمنته فإن كان مما يحتاج فيه إلـى مخاطبـة السلطـان ومؤامرتـه أخذهـا ليقرأهـا عليـه عنـد حضوره بين يديه ويمتثل ما يأمر بـه فيهـا فيكتـب بمقتضـاه سـواءٌ طابـق سـؤال السائـل أم لا يعينها على كاتب من كتاب الإنشاء فيكتب بمقتضاها ويخلد القصة شاهداً عنـده‏.‏

وهـذه المثالات ورقها من ديوان الإنشاء من المرتب السلطاني وإن كان رافع القصة من غير المعتبرين كآحاد الناس دفع القصة إلى مدير من مدراء ديوان الإنشاء فيجعل عليها علامةً له ويجمع كل مديرٍ ما معه من القصص وترفع إلى صاحب ديوان الإنشاء فما كان منها غير سائغ للكتابة عليـه قطعـه أو رده وما كان منها سائغاً كتب عليه وعينه‏.‏

وربما استشكل بعضها فأخره ليقرأه على السلطان وينظر ما يأمر به فيه فيعتمده‏.‏

وإذا عينها على كاتب من كتاب الإنشاء كتب النوع الثالث ما يرفع من القصص بدار العدل عند جلوس السلطان للحكم في المواكب وقد جرت العادة في ذلك أنه إذا ترتب مجلس السلطان على ما تقدم في ترتيب المملكة أن القصـص تفـرق على كاتب السر ومن حضر من كتاب الدست فيقرأ كاتب السر منها ما عن له قراءتـه ثـم يقرأ الذي يليه من كتاب الدست ثم الذي يليه إلى آخرهم ويشير السلطان برأسه أو يده بإمضاء ما شاء منها فيكتب كاتب السر أو كاتب الدست علـى تلـك القصـة بمـا فيـه خلـاص قلمـه ثـم تحمـل إلـى ديوان الإنشاء فيعينها على من يشاء من كتاب الإنشاء فيكتبها ويخلد تلك القصص عنده شاهداً‏.‏

النوع الرابع ما يرفع منها للنائب الكافل إذا كان ثم نائب وقـد جـرت العـادة أن النائب يكون عنده كاتبٌ من كتاب الدست يجلس بين يديه لقراءة القصص عليه وتنفيذ ما يكتب عنه‏.‏

فإذا رفعت القصة إلى النائب الكافل قرأها عليه كاتب الدست وامتثل أمره فيها وأصلح في القصة ما يجب إصلاحه وضرب على ما يجب الضرب عليه وزاد بين سطوره ما تقتضيه الزيادة ثم تدفع القصة إلى النائب الكافل فيكتب على حاشيتها فـي الوسـط آخـذاً مـن جهـة أسفلهـا إلـى جهـة أعلاهـا بقلـم مختصـر الطومار ما مثاله يكتب ثم تحمل بعد ذلك إلى كاتب السر فيعينها على بعض كتاب الإنشاء فيكتبها‏.‏

النوع الخامس ما يرفع من القصص إلى الأتابك إذا كان في الدولة أتابك عسكر وهو الأمير الكبير وغالب ما يكون ذلك إذا كان السلطان طفلاً أو نحو ذلك‏.‏

وقد جرت العادة أن يكون عند الأتابك كاتبٌ من كتاب الدست أيضاً فإذا رفعت القصة إلـى الأتابـك وإن كـان الأمـر فيهـا واضحـاً كخلـاص حـق أو نحـوه كتب كاتب الدست على حاشيتها ما تقتضيه الحال في ذلك من غيـر قراءتهـا علـى الأتابـك‏.‏

وإن كـان الأمـر فيها غير واضح كما إذا كان الأمر راجعاً إلى منازعة خصميـن ونحـو ذلـك قرأهـا علـى الأتابـك وامتثل أمره فيها وكتب عليها ما برز به مرسومه‏.‏

وفي كلتا الحالتين جـرت العـادة فـي زماننـا أنـه يعمـد إلـى أشهـر حـرفٍ فـي اسـم الأتابـك فيرقمـه فـي آخـر مـا يكتبه أو تحته كما كان يكتب عن برقوق قبل السلطنة ق وعن إيتمش ش وعن نوروز ن ونحو النوع السادس ما يرفع منها للدوادار لتعلق عنه الرسالة عن السلطان به واعلـم أن العـادة كانـت جاريـةً فـي الزمـن المتقدم أن السلطان إذا أمر بكتابة شيء على لسان أحدٍ من الدوادارية حمل بريدي من البريدية الرسالة لذلك عن ذلك الدوادار إلى كاتب السر فيسمع كلام البريدي ويكتب علـى القصـة إن كانـت أو ورقـةٍ مفـردة مـا مثالـه‏:‏ حضـرت رسالـةٌ علـى لسـان فلـان البريـدي بكـذا وكـذا ويعينـه علـى مـن يكتبـه مـن كتـاب الإنشـاء‏.‏

ولم يزل الأمر على ذلك إلى الدولة الناصرية محمد بن قلاوون فأفرد المقر الشهابي بن فضل الله صاحب ديوان الإنشاء كاتباً من كتاب الإنشاء لتعليق الرسالة فصار يكتب ما كان كاتب السر يكتبه من ذلك على القصـص أو الورقـة المفـردة ثـم ترفـع إلى كاتب السر فيكتب عليها بالأمر بكتابتها ويعينها على من يكتب بمقتضاها وتخلد القصة أو الورقة التي علقت فيها الرسالة عنده شاهداً له‏.‏

واستمر ذلك إلى مباشرة القاضي بفتح الدين بن شاس أحد كتاب الدست عند الدوادار والدوادار يومئذ الأمير يونس النوروزي فأذن له كاتب السر في تعليق الرسالة عن الأمير يونس الدوادار علـى ظهـور القصـص وغيرهـا ففعـل‏.‏

وكان يكتب على حواشي القصص في وسط القصة آخذاً مـن جهة اليمين إلى جهة اليسار بميلة إلى الأعلى بقلم دقيقٍ متلاصق الأسطر ما مثاله‏:‏ رسم برسالـة الجنـاب العالـي الأميـري الكبيـري الشرفـي يونـس الـدوادار الظاهـري ضاعف الله تعالى نعمته أن يكتب مثالٌ شريف بكذا أو توقيع شريفٌ بكذا وما أشبه ذلك ويؤرخه بيوم الكتابة ثم تحمل إلى كاتب السر فيكتب عليها بالأمر بالكتابة ويعينهـا علـى كاتـبٍ مـن كتـاب الإنشـاء فيكتب بمقتضاها ويخلدها شاهداً عنده وجرى الأمر على ذلك بعده إلى آخر وقتٍ‏.‏

قلت‏:‏ وقد كان في الدولة الفاطمية كاتبٌ مفرد لتعليق الرسالة عن الخليفة يسمى صاحب القلم الدقيق يعلق ما تبرز به أوامر الخليفة في الرقاع وحواشي القصص وتحمل إلـى ديـوان الوزارة فيعتمدها الوزير ويبرز أمره إلى ديوان الإنشاء باعتمادها وكتابة ما فيها على ما تقدم ذكره في ترتيب الخلافة الفاطمية بالديار المصرية في المقالة الثانية‏.‏

  الفصل الثاني في التعيين وكيفية كتابة صاحب ديوان الإنشاء على الرقاع

والقصص وتعيينها على كتاب الإنشاء ويختلف الحال في ذلك باختلاف حال الكاتب المعين عليه وحال الرقعة المعينة‏.‏

فأما اختلافه باختلاف حال من يعين عليه‏.‏

فإنه إن كان المعين عليه كاتباً من كتاب الدست كتب له كاتب السـر فـي التعييـن‏:‏ المولـى القاضـي فلـان الدين أعزه الله تعالى وربما رفع قدره على ذلك فيكتب له‏:‏ المولى الأخ القاضي فلان الدين أعزه الله تعالى‏.‏

وإن كان من كتاب الدرج‏:‏ فإن كان كبيراً كتب له‏:‏ المولى فلان الدين‏.‏

وإن كان صغيراً كتب له‏:‏ الولد فلان الدين وربما وقـع التمييـز لبعض كتاب الدست أو كتاب الدرج للتقدم بالفضل فكتب له‏:‏ المولى الشيخ فلان الدين أو الشيخ فلان الدين تارةً مع الدعاء وتارة دونه‏.‏

وأما اختلافه باختلاف حال المكتوب الذي يعين فإنه إن كان قصةً بظاهرها خط السلطـان يكتب فموضع كتابة التعيين تحت خط السلطان بظاهر القصة ولا كتابة له عليها غير ذلك‏.‏

وإن كان رقعةً جميعها بخط كاتب السر فإنه يكتب فيها يكتب بكذا وكذا ثم يكتب التعيين وإن كان قصةً رفعت إلى كاتب السر فإنه يكتب على حاشيتها في أعاليها آخذاً من جهة أسفـل القصـة إلـى أعلاهـا مـا مثالـه‏:‏ يكتـب بذلـك أو يكتـب بكـذا وكذا ثم يكتب التعيين بحاشيتها أسفل ذلك في عرض الحاشية مميلاً للكتابة إلى جهة الأعلى قليلاً‏.‏

وإن كان قصةً عليها بخط النائب الكافل فإنه يكتب عليها بالتعيين ليس إلا وموضع التعييـن فيها بحاشية القصة أسفل خط النائب‏.‏

وإن كان قصةً قد كتب بهامشها مرسوم الأتابك أو علق بحاشيتها رسالة الدوادار كتب في جهـة أعلـى القصـة‏:‏ يكتـب بذلـك وعلـى القـرب منـه التعييـن‏.‏

وإنمـا يكتـب هنـا فـي جهـة أعلى القصة وفيما عليه خط النائب الكافل في جهة أسفلها لأن التعليق الذي على الهامش فيما علق عن مرسوم الأتابك أو رسالة الدوادار بخط كاتب الدست الذي في خدمته بخلاف ما عليه خط النائب بنفسه‏.‏

وإن كان الذي يقع فيه التعييـن قائمـةً مـن ديـوان الـوزارة أو ديـوان الخـاص أو ديـوان الإستـدار كتب بهامش القائمة من أعلاها مقابل كتابة المتحدث على ذلك الديوان ما مثاله‏:‏ يكتب بذلك ثم يكتب التعيين تحته على القرب منه‏.‏

وإن كان الذي يقع فيه التعيين مربعة إقطعاٍ من ديوان الجيش كتب بالتعيين في آخرها مقابل قلـت‏:‏ وقد جرت عادة كتاب السر في زماننا أنه يكتب على القصص ونحوها يكتب بذلك أو يكتـب بكذا وكذا على ما تقدم بيانه بغير لام في أوله وهذه اللام تسمى لآم الأمر وقد صرح الإمام أبو جعفر النحاس في صناعة الكتاب أنه لا يجوز حذفها‏.‏

وعلى ذلك ورد لفظ القرآن الكريـم كمـا فـي قولـه تعالـى‏:‏ ‏"‏ ثـم ليقضـوا تفثهـم وليوفـوا نذورهـم وليطوفـوا بالبيـت العتيـق ‏"‏‏.‏

وقولـه‏:‏ ‏"‏ ثم ليقطع فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ ‏"‏ ونحو ذلك‏.‏

وحكي جمال الدين بن هشام في المغني وقد تحذف اللام في الشعر ويبقى عملها كقوله طويل‏:‏ فلا تستطل مني بقائي ومدتي ولكن يكن للخير منك نصيب وقوله وافر‏:‏ محمـد تفـد نفسك كل نفسٍ إذا ما جفـت مـن شـيءٍ تبـالا الطرف الثاني في كتابة الملخصات والإجابة عنها من الدواوين السلطانية قـد تقـدم فـي الكلـام علـى مـا ينظر فيه صاحب الديوان أنه لما كان صاحب ديوان الإنشاء يضيق زمنه عن استيعاب حال الكتب الواردة من المملكة لوفورها واتساع الدولة وكثـرة المكاتبيـن ناسـب أن يتخـذ كاتبـاً يتصفـح الكتـب الـواردة ويتأملهـا ويلخص مقاصدها قال أبو الفضل الصوري في تذكرته‏:‏ والرسم في ذلك أن الكاتب الذي يقيمه صاحب الديوان يتسلم الكتب الواردة ويخرج معانيها على ظهورها ملخصاً الألفاظ الكثيرة في اللفظ غير مخل بشيء من المعنى ولا محرف له مسقطاً فضول القول وحشوه كالدعاء والتصدير والألفاظ المترددة‏.‏

قـال‏:‏ ويخـرج أيضـاً مـا يختـص بديـوان الخـراج مـن الأمـور التـي تـرد ضمـن الكتـب فـي معنى الخراج في أوراق يعين فيها الكتب التـي وصلـت فيهـا وتاريخهـا والجهـة التـي وردت منهـا وينصهـا علـى هيئتها ويوجهها إلى ديوان الخراج فيجاب عنها منه ويستدعي من متولي ديوان الخراج الجواب عنها ثم يعرض جميع ذلك على الملك ويستخرج أمره بإمضاء المكاتبة به أو بغيره‏.‏

فإن كان بخط مخالفٍ للعربي كالرومي والفرنجي والأرمني وغيرها أحضر من يعرف ذلك الخط ممن يوثق بـه ليترجمـه فـي ظهـره فـإن كـان ذلك المترجم يحسن الخط العربي كتب بخطه في ظهر الكتاب ما مثاله يقول فلان‏:‏ إني حضرت إلى ديوان الإنشاء وتسلمت الرقعة أو الكتاب الذي هذا الخط بظاهره وسئلت عن تفسيره فذكرت أنه كذا وكذا ويسرده إلى آخره وبذلك أشهـدت علـى نفسي ويشهد عليه شاهدان‏:‏ هذا الذي ذكره بلا زيادةٍ ولا نقس‏.‏

وإن كان الكتاب مشحوناً بالكلام بطناً وظهراً نقله بخطه بالقلم الذي هو مكتوبٌ به وترجمه على ظاهره بخطه العربي‏.‏

وإن لـم يحسـن الكتابـة بالعربـي كتـب عنـه الكاتـب بمحضـر مـن الشاهدين وأشهد عليه ليهاب أو يحجم فيما يقول أو يغيره أو ينقصه لأن أكثر من يترجم على مذهـب صاحـب الخـط فربمـا كتـم عنـه أوداجـي فيه‏.‏

فإذا خوف بالإشهاد عليه وخشي أن غيره قد يقرأه على غير الوجه الذي أشهد به على نفسه ربما أدى الأمانة فيه فإذا لخصت المكاتبة بظاهرهـا سلمـت إلـى متولي الديوان ليقابل ظاهرها بباطنها فإن وجده أخل فيها بشيء أضافه بخطـه وأنكـر عليـه إهمالـه ليتنبـه فـي المستقبـل‏.‏

فإن لم يكن فيها خلل عرضه على الملك واعتمد أمره فيه وكتب تحت كل فصل منها ما يجب أن يكون جواباً عنه على أحسن الوجوه وأفضلها ثـم يسلمهـا إلـى مـن يكتـب الجـواب عنهـا ممـن يعـرف اضطلاعه بذلك ثم يقابل الجواب بالتخريج وما وقع به تحته فإن وجد فيها خللاً سده أو مهملاً ذكره أو سهواً أصلحه‏.‏

وإن رآها قد كتبت على أفضل الوجوه وأسدها لم يفوت فيها معنًى ولم يزد إلا لفظاً ينمق به كتابه ويؤكد به قوله عرضها على الملك حينئذ ليعلم ثم استدعى من يتولى الإلصاق فألصقها بحضرته وجعل على كل منها بطاقةً يشير فيها إلى مضمونها لئلا يسأل عن ذلك بعد إلصاقها فلا يعلم ما هو ثم يسلمهـا إلـى مـن يتولـى تنفيذها إلى حيث أهلت له وتسلم النسخ الملخصة إلى من يؤهله لحفظها وترتيبها‏.‏

قلـت‏:‏ قـد تبيـن بمـا تقدم من كلام أبي الفضل الصوري ما كان عليه الحال في زمنه والذي عليه حـال الديـوان فـي زماننـا فيمـا يتعلـق بذلـك أن الكتـب الـواردة إلـى الأبـواب السلطانية من أهل المملكة وغيرها من سائر الممالك يتلقاها أكبر الدوادارية وهو مقدم ألفٍ على ما تقدم ذكره في الكلام علـى ترتيـب الديـار المصريـة ويحضـر القاصـد المحضـر للكتـاب مـن بريـدي أو غيـره ثـم يناولـه للسلطـان فيفـض ختامـه وكاتـب السـر جالـسٌ بيـن يديـه فيدفعـه السلطان إليه فيقرأه عليه ويستصحبه معه إلى الديوان فإن كان الكتاب عربياً دفعه كاتب السر إلى نائبه أو من يخصه بذلك ليلخص معناه فينعم النظر فيه ويستوفي فصوله ويلخص مقاصدها ويكتب لكل ديوان من الدواوين التي يرفع إليها متعلق ذلك الكتاب ملخصاً بالفصول المتعلقة به في ورقة مفردة ليجاوب عليها متولي ذلك الديوان بما رسم له من الجواب عنها‏.‏

واعلم أن الذي تكتب له الملخصات في زماننا من الدواوين السلطانية خمسة دواوين وهي‏:‏ ديوان الإنشاء وديوان الوزارة وديوان الجيش وديوان الخـاص وديـوان الإستداريـة وهـو الديـوان المفرد‏.‏

والطريـق إلـى كتابـة الملخصـات أن يحذف ما في صدر الكتب من الحشو على ما تقدم في كلام أبـي الفضـل الصوري ثم يعمد إلى مقاصد الكتاب فيستوفي فصوله ويتصورها بذهنه ثم ينظر في متعلقات تلك الفصول ويكتب لكل ديوان من الدواوين المتقدمة ملخصاً بما يتعلق به من وكيفية كتابته أن يترك من رأس الوصل قدر ثلاثة أصابع بياضاً ثم قدر إصبعين بياضاً عن يمينه وقدر إصبعين بياضاً عن يساره ويكتب في صدره ما مثاله‏:‏ ذكر فلانٌ في مكاتبته الـواردة على يد فلان المؤرخة بكذا وكذا يمد لفظ ذكر بين جانبي الوصل ويكتب باقي الكلام تحتهـا فـي أول الوصـل إلـى آخـره فـي العـرض مـن غيـر خلـو بيـاض أنـه اتفـق مـن الأمـر ما هو كذا وكذا أو أنه سـأل فـي كـذا وكـذا‏.‏

ثـم يخلـي بياضـاً قـدر أربعـة أصابـع مثـلاً ويكتـب فـي وسـط الـدرج بخلـو بياض من الجانبين وذكر على نحو ما تقدم ثم يكتب باقي الكلام من أول الوصل إلى آخره ويفعـل ذلـك بكـل فصـل فـي الكتـاب يتعلق بذلك الديوان المختص بذلك الملخص ويكتب في آخر كـل فصـل وقد عرض على المسامع الشريفة ومهما برزت به المراسيم الشريفة كان العمل بمقتضاه ونحو ذلك‏.‏

ثم إن كان الملخص لديوان الإنشاء كتب بأعلى الوصل من ظاهره من الجانب الأيسر منه ما مثاله ديوان الإنشاء‏.‏

وإن كان لديوان الجيش كتب هناك ما مثاله ديوان الجيش‏.‏

وكذا ديوان الخاص وسائر الدواوين المتقدمة الذكر‏.‏

فإذا كملت الملخصات وقف عليها كاتب السـر فمـا كان منها متعلقاً بديوان الإنشاء عرضه على السلطان واستمطر جوابه عنه فيكتب مقابله في الملخـص يكتـب بذلك أو يكتب بكذا وكذا أو رسم بذلك أو رسم بكذا وكذا‏.‏

وما كان منها متعلقـاً بديـوان الـوزارة بعث به إلى الوزير وما كان منها متعلقاً بديوان الجيش بعث به إلى ناظر الجيِش وما كان منها متعلقاً بديوان الخاص بعث به إلى ناظر الجيش‏:‏ ليقرأ كل منهم ملخصه علـى السلطـان وينظـر مـا يأمـر به فيه فما كان كتب به بجانب

الفصل الذي كتب به في الملخص أمضي ذلك أو لم يمض أو رسم بكذا وكذا ونحو ذلك وسائر الدواوين على هذا النمط‏.‏

وإن كان الكتاب غير عربي فإن كان بالتركية المغلية ونحوها كالكتب الواردة عن بعض القانات من ملوك الشرق فإنه يتولى ترجمتها من يوثق به من أخصاء الدولة من الأمراء أو الخاصكية ونحوهم ممن يعرف ذلك اللسان ثم يقرأ ترجمته على السلطان ويعتمد ما يأمر به في جوابه ليكتب به‏.‏

وإن كان بالرومية أو الفرنجية ونحوهما من اللغات المختلفة ترجم على نحو ما تقدم وكتـب ملخصـه وقريء على السلطان والتمس جوابه وكتب كاتب السر على الملخص بما رسم فيه‏.‏